جدول المحتوى

مقدمة

يُعتبر أمر منع السفر إجراءً قانونيًا احترازيًا يُتخذ لمنع شخص من مغادرة البلاد إلى حين الفصل في نزاع قضائي يتعلق به. وهو وسيلة لحماية المصلحة العامة أو حقوق الدائنين، ويُمثّل تقييدًا لحرية التنقل المحمية دستوريًا، لذلك أحاط المشرّع الكويتي استعمال هذا الإجراء بضوابط صارمة في كل من القضايا الجزائية والمدنية. أدناه نعرض الضوابط القانونية لمنع السفر في القانون الكويتي، مستندين إلى النصوص التشريعية ذات الصلة (كقانون المرافعات المدنية والتجارية وقانون الإجراءات الجزائية) وإلى السوابق القضائية الكويتية التي فسّرت تلك الضوابط وطبّقتها.

منع السفر في القضايا الجزائية

في القضايا الجزائية، يُعد منع السفر إجراءً تحفظيًا لمصلحة التحقيق يُتخذ ضد المتهم لضمان عدم هروبه خارج البلاد أثناء سير التحقيق. لم يكن قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية الكويتي رقم 17 لسنة 1960 ينص صراحةً في نصوصه الأصلية على سلطة النيابة في منع سفر المتهم، مما أثار جدلًا حول مشروعية أوامر المنع التي كانت تصدرها جهة التحقيق. ولذلك تدخل المشرع بإصدار القانون رقم 29 لسنة 2016 (والقانون 35 لسنة 2016 المكمل له) ليضيف مادة جديدة تُنظِّم هذا الأمر.

سلطة إصدار الأمر وشروطه: بموجب التعديل لعام 2016، أصبح للنائب العام وللمُدير العام للإدارة العامة للتحقيقات (أو من يفوضانه) أن يُصدر أمرًا بمنع سفر المتهم إذا اقتضت مصلحة التحقيق ذلك. أي أن معيار إصدار الأمر هو ضرورة حماية سير التحقيق وخشية فرار المتهم. ولم يضع القانون الجزائي شروطًا تفصيلية أخرى (كوجود دين أو نحو ذلك كما في القضايا المدنية)، بل يكفي اقتناع جهة التحقيق بوجود خطر على الإجراءات من سفر المتهم. يُذكر أن هذه الأوامر تصدر بقرار من النيابة دون حاجة لعرض مسبق على المحكمة، نظرًا للطبيعة المستعجلة للتحقيقات الجنائية. ومع ذلك أكدت الآراء القانونية أن قرار المنع من السفر في الجنائي هو إجراء استثنائي يمس حقًا دستوريًا، فيجب ألا يُستخدم إلا عند الضرورة القصوى وبما يتناسب مع جسامة الجريمة وخطورة المتهم.

مدة سريان الأمر في الجنائي: يستمر منع السفر الصادر في الدعوى الجزائية ساريًا حتى تقرر النيابة العامة إلغاؤه أو يصدر قرار من المحكمة برفعه. فالأصل أنه إجراء مؤقت مرتبط بمرحلة التحقيق وما يليها من المحاكمة إن اقتضى الأمر. وليس في القانون مدة زمنية محددة لسقوط أمر المنع تلقائيًا في القضايا الجزائية، إذ يبقى قائمًا ما دام التحقيق أو المحاكمة جارية وما لم تُلغِه الجهة التي أصدرته أو تقضِ المحكمة المختصة بإلغائه. لكن المشرّع قيّد حق المتهم في تكرار التظلّم من قرار المنع الجنائي، حيث لا يجوز إعادة التظلّم إلا بعد مضي 3 أشهر من الفصل في التظلّم السابق إذا رُفض. هذا القيد يهدف لمنع إساءة استعمال حق التظلّم بشكل يعطّل التحقيق.

التظلّم ورفع المنع في الجنائي: يملك كل ذي شأن، وعلى الأخص المتهم الصادر بحقه أمر منع السفر، حقَّ التظلّم أمام المحكمة الجزائية المختصة طلبًا لرفع المنع. على المحكمة أن تنظر التظلّم على وجه السرعة وتقرر إما رفضه وإبقاء المنع، أو قبوله وإلغاء أمر منع السفر. ويُلاحظ أن القانون أوجب سرعة الفصل لأن الأمر يتعلق بحرية التنقل. كما يجوز للمتهم بدلًا من ذلك – أو بالإضافة إليه – أن يتقدم بطلب إلى النائب العام لرفع المنع، حيث تُقدَّم طلبات رفع منع السفر إلى النائب العام للنظر فيها. وقد أجاز القانون صراحةً لسلطة التحقيق نفسها العدول عن الأمر متى انتفت مبرراته أو ظهرت معطيات جديدة تقتضي رفع الحظر عن سفر المتهم. وبمجرد زوال مصلحة التحقيق (كانتهاء التحقيق وحفظ القضية أو صدور حكم بات فيها) يجب رفع منع السفر عن المتهم لأنه لم يعد له مسوّغ قانوني.

منع السفر في القضايا المدنية

أما في القضايا المدنية والتجارية، فإن منع السفر يُستخدم كإجراء تحفظي لضمان حقوق الدائنين ومنع المدين المماطل من الفرار بدَينه قبل الوفاء أو قبل تنفيذ حكم قضائي لصالح الدائن. نظم المشرّع الكويتي أحكام هذا الإجراء في قانون المرافعات المدنية والتجارية (مرسوم بقانون رقم 38 لسنة 1980 وتعديلاته)، لاسيّما المادتين 297 و298 منه. هذه النصوص وضعت شروطًا صارمة يجب توافرها لإصدار أمر منع السفر ضد المدين في المسائل المدنية، كما حددت إجراءات خاصة لإصداره والتظلّم منه، بالإضافة إلى حالات سقوط الأمر وانقضائه.

سلطة إصدار الأمر وإجراءاته: يختلف الوضع في المدني عن الجنائي من حيث الجهة المختصة بإصدار الأمر. فوفقًا للمادة 297 من قانون المرافعات فإن الجهة المختصة بإصدار أمر منع السفر في المسائل المدنية هي قاضي الأمور الوقتية المتمثل في مدير إدارة التنفيذ في المحكمة الكلية أو من تنتدبه الجمعية العامة للمحكمة من قضاتها. ويكون ذلك بناءً على عريضة (طلب مكتوب) يُقدّمها صاحب الشأن (الدائن) إلى إدارة التنفيذ. أي أن القاضي لا يصدر الأمر من تلقاء نفسه، بل لا بد من طلب يتقدم به الدائن صاحب المصلحة. ولما كانت أوامر منع السفر تصدر على عريضة وبدون مواجهة الخصم في البداية، أوجب القانون إعلان الأمر إلى المدين خلال أسبوعين من تاريخ صدوره، حتى يُعلم بمنعه ويتمكن من الاعتراض عليه. كما أن للقاضي قبل إصدار الأمر إجراء تحقيق مختصر للتثبت من الوقائع إذا لم تكفِ المستندات المقدمة لإقناعه.

شروط إصدار منع السفر (حقوق الدائنين): نصت المادة 297 إجراءات مدنية والمذكرة الإيضاحية على أربعة شروط أساسية لابد من توافرها لإصدار أمر منع المدين من السفر:

  1. حق للدائن محقق الوجود وحالّ الأداء: ينبغي أن يكون للدائن دينٌ ثابت في ذمة المدين، ثبوتًا ظاهرًا لا يحتمل المجادلة الجدية، وأن يكون هذا الدين حال الأداء (مستحق السداد حالًا وغير معلّق على شرط أو أجل). فلا يجوز منع شخص من السفر استنادًا إلى دين محتمل أو مستقبل أو متنازع عليه نزاعًا جديًا؛ كالدين المشروط أو المؤجل أو الذي لم تثبت صحته ظاهريًا. وقد استقر قضاء محكمة التمييز الكويتية على هذا الشرط، فقضت بعدم جواز الأمر بمنع السفر إذا كان الدين غير محقق الوجود أو محل نزاع جدّي أو لم يحل أجله.

  2. قيام دلائل جدية على نية المدين الفرار من الدين: يجب أن يُقدّم الدائن أسبابًا جدية تحمل القاضي على الظن بأن المدين يخطط للتهرب من سداد الدين بالسفر. مجرد رغبة المدين في السفر العادي أو تأخره في السداد لا يكفي؛ إذ أكدت محكمة التمييز أن مماطلة المدين في الدفع لا تعني بالضرورة توافر خطر الفرار، بل قد تكون هناك ضرورات مشروعة للسفر. لذا يتعين على الدائن إثبات ظروف أو تصرفات غير اعتيادية تدل على نية المدين للهروب، مثل تصفية أعماله في الكويت أو بيع أملاكه وتحويل أمواله إلى الخارج بصورة مريبة. عبء إثبات هذا الشرط يقع على عاتق الدائن طالب المنع.

  3. ثبوت قدرة المدين على الوفاء بالدين: يشترط أيضًا إثبات أن المدين قادر ماليًا على سداد الدين. فإن كان المدين مُعسرًا معدمًا، فلا جدوى من منعه من السفر لأن المنع يهدف بالأساس للضغط من أجل السداد. وعليه إذا أثبت المدين أنه عاجز عن الوفاء أو لم يثبت الدائن يسار المدين، ينتفي مسوغ الأمر بالمنع. وتقدير ملاءة المدين وقدرته على الدفع مسألة موضوعية يستقل بها قاضي الموضوع ولكن يجب أن تُبنى على أسباب معقولة مستخلصة من الأوراق. وقد نقضت محكمة التمييز أوامر منع سفر اعتمدت فقط على ضخامة مبلغ الدين أو تأخر المدين في الدفع دون بيان دليل قاطع على قدرته المالية.

  4. تقدّم الدائن بالطلب وعدم صدور الأمر تلقائيًا: كما سبقت الإشارة، يشترط القانون أن يتقدم الدائن نفسه بطلب منع المدين من السفر؛ فلا يملك القاضي إصدار المنع من تلقاء ذاته بدون طلب. هذا الشرط بديهي كونه إجراء استثنائي لمنفعة خاصة بالدائن، فلا يُفترض بالقاضي المبادرة إليه دون رغبة الدائن. وبالتالي إذا لم يطلب الدائن هذا الإجراء في دعواه أو بطلب مستقل، لا يصدر المنع.

مدة سريان الأمر في المدني وحالات سقوطه: يتميّز أمر منع السفر المدني بطبيعة مؤقتة لكنه قد يمتد سريانه لفترة طويلة نسبيًا رهنًا بإجراءات الدعوى والتنفيذ. فالمادة 298 مرافعات تنص على أن أمر المنع من السفر يظل ساري المفعول حتى ينقضي التزام المدين قبل دائنه لأي سبب (سداد الدين، إبطال الالتزام، تسوية نهائية… إلخ). ومع ذلك وضع القانون حالات محددة يسقط فيها أمر المنع حتى لو لم ينقضِ الدين بعد، وذلك ضمانًا لعدم إساءة استخدام هذا الإجراء أو بقائه إلى ما لا نهاية. وأهم هذه الحالات التي نصت عليها المادة 298 مرافعات هي:

  • تخلّف أحد الشروط الجوهرية للمنع: إذا ظهر بعد صدور الأمر أن أيًا من الشروط التي بُني عليها لم تكن متوافرة أصلاً أو زالت لاحقًا (كأن يتبين أن الدين غير مستحق أو أن المدين مفلس مثلًا)، وجب إسقاط أمر منع السفر. فاستمرار المنع دون أساس قانوني يعرض القرار للبطلان.

  • موافقة الدائن كتابيًا على رفع المنع: للدائن طالِب الأمر أن يتنازل عنه ويوافق على رفع منع السفر عن مدينه، وفي هذه الحالة يجب على إدارة التنفيذ إسقاط الأمر فورًا. عمليًا قد يحدث ذلك إذا توصّل الطرفان لتسوية أو ترتيبات مرضية، أو رأى الدائن أنه لم يعد بحاجة لمنع السفر.

  • تقديم ضمان كافٍ للدين: إذا قام المدين بتقديم كفالة مصرفية كافية أو كفيل مقتدر يقبله القاضي المختص يغطي قيمة الدين، فيسقط أمر المنع. والضمان هنا يحقق الغاية ذاتها وهي تأمين حق الدائن، مما يغني عن إبقاء المنع. وقد اشترط القانون أن تكون الكفالة مصدّقة حسب الأصول وأن يلتزم الكفيل بتعهد ملزم لضمان الوفاء. وتعتبر تلك الكفالة بمثابة سند تنفيذي على الكفيل إذا أخل بالتزامه.

  • إيداع المدين مبلغ الدين في خزينة إدارة التنفيذ: إذا بادر المدين إلى إيداع مبلغ نقدي يعادل الدين وملحقاته مخصص للوفاء بحق الدائن صاحب الأمر، فإنه يُرفع منع السفر بحكم القانون. يعتبر المبلغ المودع محجوزًا عليه لصالح الدائن بقوة القانون، ولا يجوز للمدين سحبه كما لا تؤثر عليه حجوز أخرى قد يوقعها دائنون آخرون لاحقًا. بهذا يكون حق الدائن مؤمنًا نقدًا فلا حاجة لمنع المدين من السفر.

  • عدم قيام الدائن برفع الدعوى الأصلية خلال المدة القانونية: أجاز القانون استصدار أمر منع سفر قبل إقامة الدعوى الموضوعية بشأن الدين، ولكن اشترط بالمقابل أن يقوم الدائن برفع دعوى المطالبة بالدين خلال 7 أيام من تاريخ صدور أمر منع السفر. فإذا انقضت سبعة أيام دون أن يقدم الدائن ما يثبت أنه أقام الدعوى أمام المحكمة المختصة، سقط أمر منع السفر بحكم القانون. وهذا شرط مهم يهدف لمنع الدائن من استغلال المنع فترة طويلة دون جدية في متابعة قضيته. وعلى إدارة التنفيذ التحقق من ذلك وإلغاء الأمر إذا لم تُرفع الدعوى في المهلة المحددة.

  • انتهاء الخصومة دون متابعة التنفيذ (حالات التقادم القصير): أضاف المشرّع في تعديل سنة 2002 ضوابط زمنية أخرى لضمان عدم بقاء منع السفر بعد صدور حكم نهائي بالدين دون تنفيذ فعلي. فنصت المادة 298 على سقوط أمر منع السفر في حالتين زمنيتين: الأولى: إذا مضت 3 سنوات على صدور الحكم النهائي في دعوى الدين التي صدر فيها أمر المنع دون أن يتقدم الدائن إلى إدارة التنفيذ بطلب تنفيذ الحكم. والثانية: إذا مضت 3 سنوات على آخر إجراء صحيح من إجراءات تنفيذ الحكم النهائي المتعلق بالدين دون أن يطلب الدائن الاستمرار في التنفيذ. في كلتا الحالتين يسقط أمر المنع بقوة القانون لانقضاء مدة طويلة دون جدية من الدائن في متابعة حقوقه، مما يجعل استمرار منع المدين غير مبرر. وهذه الأحكام تحمي المدين من بقاء المنع كأثر دائم يُقيّد حريته بلا نهاية بسبب تقاعس الدائن أو بطء الإجراءات.

  • انقضاء التزام المدين لأي سبب: طبعًا إذا انقضى الدين نفسه أو سقط الالتزام الأصلي لأي سبب قانوني (سداد، مقاصة، إبراء، تقادم… إلخ)، فلا معنى لبقاء منع السفر. وعلى الدائن في هذه الحالة أن يُخطر إدارة التنفيذ خلال أسبوع من انقضاء الدين خارج إدارة التنفيذ ليتم رفع الأمر، ويجوز للمدين نفسه إبلاغ الإدارة بذلك في أي وقت. تأكيد هذا الإخطار يهدف إلى تحديث موقف المنع فور انتهاء سببه.

التظلّم من قرار منع السفر وطلب رفعه (في القضايا المدنية)

يتيح القانون الكويتي للمدين الصادر بحقه أمر منع سفر (وكذلك للدائن طالب الأمر في بعض الحالات) طريق التظلّم القضائي لنظر أمر المنع مجددًا أمام القضاء بشكل حضوري. فقد نصت المادة 297 مرافعات على أن لمن صدر ضده أمر المنع من السفر «أن يتظلّم إلى المحكمة المختصة»، كما أجازت أيضًا للطرف الذي صدر الأمر بناء على طلبه (أي الدائن) أن يتظلّم إذا كان تظلّمه متعلقًا بمصلحته. ويجوز – وفوق ذلك – للمدين تقديم التظلّم إلى القاضي الذي أصدر الأمر نفسه ليعيد النظر فيه على وجه السرعة، أو رفع التظلّم إلى المحكمة عن طريق دعوى مستقلة أو تبعًا للدعوى الأصلية.

إجراءات التظلّم: يُرفَع التظلّم وفق الإجراءات المعتادة لرفع الدعوى (أي بصحيفة تودع لدى المحكمة المختصة) خلال المواعيد المقررة قانونًا. وينظر القاضي أو المحكمة المختصة التظلّم كدعوى مستعجلة تمكن الخصوم من إبداء دفوعهم وتقديم ما لديهم من مستندات جديدة. وبحسب القانون، يحكم في التظلّم إما بتأييد الأمر أو تعديله أو إلغائه. فإذا رأت المحكمة أن شروط المنع لم تكن متوافرة أو زالت، ألغت الأمر. أما إذا تبين لها وجوب تقليل نطاقه (مثلاً تخفيض مبلغ الدين المؤمَّن أو قبول كفالة)، جاز لها تعديل الأمر.

الطعن في حكم التظلّم: القرار القضائي الصادر في التظلّم يُعتبر حكمًا قضائيًا مما يخضعه لطرق الطعن المقررة للأحكام. أي يمكن استئناف حكم التظلّم أمام محكمة الاستئناف، وبدورها تخضع أحكامها لرقابة محكمة التمييز إن توافرت شروط الطعن بالتمييز. وقد أكدت المحاكم أن التظلّم من أمر منع السفر ليس مجرد إجراء وقتي بحت يُمنع الاستئناف عنه، بل هو دعوى موضوعية تسمح بكافة طرق الطعن. على سبيل المثال، قضت محكمة التمييز ببطلان اعتبار إحدى المحاكم التظلّم مسألة مستعجلة غير قابلة للاستئناف، وشدّدت على أن حكم التظلّم قابل للاستئناف والتمييز كغيره من الأحكام.

التظلّم أمام القضاء الكويتي عمليًا: لعبت السوابق القضائية دورًا مهمًا في إرساء معايير التظلّم والفصل في أوامر منع السفر. فمحاكم الاستئناف والتمييز غالبًا ما تتصدى لفحص توافر شروط المنع بشكل دقيق عند نظر التظلّم أو الطعون عليه. فإذا تبين لها نقصٌ في دليل قدرة المدين على السداد، أو غياب خطر حقيقي للفرار، ألغت أمر المنع أو نقضته. وتراعي المحاكم أيضًا مبدأ التناسب؛ فإن كان منع السفر يشكل تضييقًا غير مبرر على المدين مقارنة بحجم الدين أو طبيعته، تدخلت لرفعه مراعاة للحقوق الدستورية في حرية التنقل.

أمثلة وتطبيقات قضائية بارزة

أكّدت المحاكم الكويتية في عدة مناسبات على أهمية الالتزام بالضوابط القانونية لمنع السفر وعدم التوسع في هذا الإجراء الاستثنائي. فيما يلي بعض الأحكام القضائية التي تُبرز كيفية تطبيق تلك الضوابط:

  • حكم محكمة التمييز: في مبدأ حديث أرسته محكمة التمييز، قضت بأن مجرّد مماطلة المدين في سداد الدين لا يكفي بذاته لتوافر شروط منع السفر. وأوضحت المحكمة أن رغبة المدين في السفر قد تكون لها أسباب ضرورية مشروعة ولا يجوز افتراض سوء النية تلقائيًا. وفي نفس الحكم، شددت التمييز على ضرورة إثبات قدرة المدين المالية وخطر فراره بصورة جدية قبل منعه من السفر، وانتقدت محكمة الموضوع لأنها استندت إلى مجرد امتناع المدين عن الدفع وامتلاكه نفقات السفر كقرينة على قدرته وعلى نيته في الفرار. ورأت التمييز أن تلك الأسباب غير كافية قانونًا لإصدار الأمر بمنعه، مما دفعها إلى نقض الحكم وإلغاء منع السفر. هذا الحكم يُبرز حرص القضاء الأعلى على وزن الأدلة المقدمة ومراعاة حرية الأشخاص عند تطبيق المادة 297 مرافعات.

  • حكم محكمة الاستئناف: قضت دائرة مدنية في محكمة الاستئناف بقرار مهم أكد أن منع السفر طريقٌ استثنائي لا يجوز التوسع فيه لما ينطوي عليه من مساس بالحق الدستوري في حرية التنقل. وبيّن الحكم شروط المنع المنصوص عليها في المادتين 297 و298 مرافعات، ثم خلص إلى إلغاء أمر منع السفر لعدم تقديم الدائن دليلًا جديًا على قدرة المدين على السداد أو على وجود خطر حقيقي من سفره. وشدّد القضاة على أن مجرد ثبوت الدين بذمة المدين لا يكفي لوحده لمنعه من السفر طالما لم يثبت للمحكمة يساره واحتمال تهرّبه. وقد أشار الحكم أيضًا إلى مبدأ أرسته محكمة التمييز سابقًا يُوجِب التزام إدارة التنفيذ بتوفر جميع شروط المنع، وأن تخلف أي شرط منها يقتضي إلغاء أمر منع السفر بحكم القانون تطبيقًا لأحكام المادتين 297 و298 مرافعات. هذا الحكم عزز الطبيعة الاستثنائية للإجراء ووجوب تفسير شروطه بشكل ضيّق مراعاةً للحقوق الأساسية.

  • أحكام أخرى متنوعة: إضافةً لما سبق، تواترت أحكام محكمة التمييز على رفض أوامر منع السفر المبنية على ديون محل نزاع قضائي أو ديون غير مُحققة بشكل نهائي. فقررت مثلًا عدم جواز منع الشخص من السفر إذا كان الدين احتماليًا أو معلقًا على شرط أو لم يستحق بعد، لأن مثل هذا الدين لا يُعدّ “محقق الوجود” بمفهوم المادة 297. وكذلك أرست التمييز مبدأ أن متى افتقد أمر المنع سندًا قويًا من الأوراق يُظهر توافر شروطه، وجب إبطاله. وعلى صعيد آخر، طبقت المحاكم نص المادة 298 بشأن المدد الزمنية؛ فألغت أوامر منع سفر بقيت سارية رغم صدور أحكام نهائية ومرور سنوات دون تنفيذ، وذلك استنادًا لحكم القانون بسقوط المنع بعد 3 سنوات من الجمود. هذه التطبيقات العملية تؤكد حرص القضاء على عدم حرمان المدين من حريته تعسفًا، وعلى ضرورة تقيد الدائنين والجهات التنفيذية بالأطر القانونية الدقيقة لكل حالة.

ختامًا، يظهر مما تقدم أن المشرع الكويتي رسم إطارًا تفصيليًا متوازنًا لإجراءات منع السفر، يراعي فيه حق الدائن في الضمان وحق المجتمع في سلامة إجراءات التقاضي من ناحية، وفي المقابل يصون حرية الأفراد ويمنع التعسف في تقييدها من ناحية أخرى. فسواء في المجال الجنائي (لحماية سير التحقيق) أو المدني (لتأمين تنفيذ الالتزامات)، فإن أوامر منع السفر تخضع لشروط محددة ونصوص قانونية صارمة ينبغي التقيد بها حرفيًا. وقد أكد القضاء الكويتي بمختلف درجاته أنه بالمرصاد لأي تجاوز لتلك الضوابط، إعلاءً لسيادة القانون وحمايةً للحقوق الدستورية المكفولة. وبالتالي فإن استعمال أمر منع السفر ينبغي أن يظل استثناءً في حدود الضرورة وليس وسيلة ضغط اعتيادية، مع الالتزام الكامل بالإجراءات القانونية والتظلّمات القضائية التي تضمن التوازن والعدالة بين أطراف الخصومة.


اكتشاف المزيد من lawyeralhajri

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

لا تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *